نحو ممر طويل مليء بروائح طبية، وبياض مشعّ يتحرّك في كل مكان، تقف ابتسام قرب نافذة كبيرة تطل على الشارع، تتذكر كيف كانت تقيس نبض أحدهم عندما كانت تتعلّم، تمسح دمعة صغيرة ذرفت من عينيها قبل أن يرن جرس إحدى الغرف المجاورة، يقفز قلبها خوفاً، تدخل ملفات تقريرها الصباحي قبل أن تتابع المرضى، تقبض على يديها خوفاً وقلقاً. مريضتها لم تتحرّك منذ أيام.
تنظر إلى مريضتها مرة أخرى، لم تصدق أنها لم تتحرّك اليوم أيضاً، اقتربت وبدأت تبديل ملابسها وتنظيف سريرها، تهمس في أذنها بعض العبارات الجميلة، وأخيراً قبل أن تغادر تقبّل رأسها.
ابتسام العنزي طالبة سنة الامتياز في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية في الرياض، لم تنسَ تجربتها الأولى في عالم التمريض، تقول: «لا تزال تجربتي الأولى في غرفة العناية المركّزة لا تنسى، هناك اختلطت علي مشاعر الفرح والحزن والمسؤولية برعايتي المريض، فلم تقتصر على صحته فحسب، بل كذلك على رعايته النفسية حتى وإن كان مريضي فاقداً الوعي». وتضيف: «مثل هذه التجربة التي يخوضها طلاب التمريض توعّيهم بمدى مسؤوليتهم تجاه المريض وواقعية هذه المهنة».
وعلى رغم صعوبة التعامل مع المريض فاقد الوعي العميق، فإن ابتسام مؤمنة بأن محادثته هي إحدى خطوات العلاج، لذا تحرص على محادثة مرضاها ومعاملتهم كالمريض الذي في حال الوعي التام.
وتشعر ريم المطيري بحماسة كبيرة بعد سماعها قصص زميلاتها على رغم عدم خوضها تجربة العناية بمريض. وتقول: «زادت حماستي لهذه المهنة بعد سماعي قصص زميلاتي اللاتي كانت لهن تجارب مع فاقدي الوعي. فلم أظن أن المريض قد يشعر ويستجيب بهذه الطريقة، فهن يتعاملن مع حالات لا تختلف تماماً عن الشخص الواعي».
وفي ظل الشعور بالمسؤولية الواقع على عاتق الممرضات، توافق مشاعل المطيري زميلتها ابتسام، إذ تقول: «واجب الممرضة لا يقتصر على إعطاء المريض أدويته فحسب، بل كذلك رعاية صحته النفسية وتقديم الخدمات التي يحتاجها». وتكشف أن خطوة دخولها عالم التمريض أشدّها تحدياً، فهي تواجه اختلاف وجهات نظر المؤيد والمعارض والمسيء والمحفّز، وتقف حائرة بين إثبات جدارتها في هذا المجال وتصحيح الفكرة المترسّخة عن هذه المهنة التي سممها كثير من المشوهين، ومحاولتها مساعدة المرضى.
Sports
وعن تحدّي نظرة المجتمع وكيفية تجاوزه، تطالب رغدة الوسام التي تعمل ممرضة في مستشفى حكومي، بتطبيق عقوبة يحاكم فيها كل مشوّه مهنة التمريض أو المجال الصحي عموماً. وتضيف: «مهنة التمريض مهنة سامية لا تستحق التشويه أو الردع، ووجود المرأة فيها أمر مهم لحاجة المجتمع إليها، والمواجهة والصدّ اللذان أعاني منهما بصفتي ممرضة يجعلانني أكثر تمسّكاً وإصراراً على أداء عملي على أكمل وجه».
وتعلّق الممرضة خلود: «وقوف بعض أفراد المجتمع ضد عمل الممرضات السعوديات أمر لا بدّ من البدء في علاجه، فنحن عضوات فاعلات في خطة علاج المريض، وللأسف تعاني الممرضات السعوديات، وأنا إحداهن، من اتهامات كاذبة. ومع ذلك لم أتوقف عن أداء عملي وواجبي الإنساني قبل المهني».
وتوافق الممرضة سارة النصيب زميلاتها في آرائهن، وتضيف: «للأسف نجد الاتهامات في أحيان كثيرة، فمواقع التواصل الاجتماعي تكتظ بإهانة الممرضة السعودية والتشكيك في شرف هذه المهنة كذلك».
ولم يكن خوض سارة اختيار التمريض سهلاً، فهي تصف هذه المهنة بأنها أكثر المهن محاربة في المجتمع، وعلى رغم وجود المعادين لها، فإنها تستبعد قدرتهم على إحباط عزيمة الممرضات.
ويشدّد الداعية سليمان الطريفي على عدم وجود مبرر شرعي يرفض مزاولة المرأة مهنة التمريض، ويضيف: «بل على العكس، فالشرع حضّ على الإحسان إلى الناس، والتمريض في ضوابطه الشرعية مصدر لرزق المرأة العاملة في هذا المجال، ويجب على من يسيء إساءة بينة إلى الممرضات أو العاملات في المجال الصحي عموماً أن يُردع عبر القانون».

Library and Computer Lab

وعن تفضيل بعضهم استقدام ممرضات من الخارج بدلاً من توظيف سعوديات، يقول الطريفي: «وجود ممرضات مواطنات ضرورة من ضرورات خدمة المجتمع والسعي في تقدّمه. ويجب على العاملين في قطاع الصحة الاستغناء عن الاستقدام، وكلما حققت البلاد الاكتفاء بكوادر أبنائها كان ذلك أفضل».